تشير كلمة «الهيمنة» في السياسة العالمية إلى قوة عظمى تهيمن على النظام الدولي ككل. وفي حياتنا، كانت الولايات المتحدة قوة مهيمنة، وبشكل مثير للجدل. لكن الآن يبدو أن النفوذ العالمي النسبي الذي تتمتع به أميركا بدأ يتراجع مع صعود قوى أخرى. وسيكون لذلك عواقب بعيدة المدى على السياسة العالمية ومسائل الحرب والسلام.

وقد تصادف أنني انتقلت في الآونة الأخيرة إلى ما أطلق عليه أحد الزملاء «مقر الهيمنة»، أي واشنطن العاصمة. فهل تتضاءل قوة الولايات المتحدة بالفعل، أم أن الأمر يبدو كذلك فحسب؟ فهل تريد الولايات المتحدة التي تخوض انتخابات رئاسية العام المقبل أن تظل مهيمنة؟ أم أن الأميركيين سئموا الدفاع عن ذلك النظام الذي يطلق عليه بشكل غريب «النظام الدولي القائم على القواعد»؟

وعلى الأقل، هل ينبغي للعالم أن يشجع التراجع الأميركي أو استمرار التفوق الأميركي؟ وإذا كان المرء في بكين، فإن الهيمنة الأميركية لن تنتهي بالسرعة الكافية، لأنه يعتقد أن الصين يجب أن تستعيد مكانتها الصحيحة في الشؤون العالمية. وإذا كان المرء في تالين، بإستونيا، فهو يريد أن تظل الولايات المتحدة قوية ومشاركة، لأنه تدرك أن الوجود الأميركي في أوروبا ربما يكون الشيء الوحيد الذي يقف بينه وبين الخضوع للكرملين في مرحلة ما. لكن الهيمنة تذهب إلى ما هو أبعد من هوية القادر على الدفاع عن آخرين ضد أي معتد. ويتعلق الأمر في نهاية المطاف بمن يحدد وينفذ قواعد النظام في حد ذاته التي تحكم كل شيء، بدءا من تدفقات الأموال إلى التجارة والشحن في أعالي البحار.

وبدءا من سبعينيات القرن العشرين، ومع أعمال تشارلز كيندلبيرجر، المؤرخ الاقتصادي الأميركي، زعمت إحدى النظريات الشائعة في العلاقات الدولية أن هناك حاجة لقوة مهيمنة للحفاظ على مثل هذه القواعد حتى تتمكن من تحقيق أي نظام واستقرار بحال من الأحوال. والتقاعس عن فعل هذا يعود بالنظام الدولي إلى حالته الافتراضية، وهي الفوضى، لأن العالم، على النقيض من أي دولة، لا يمكن أن يكون لديه حكومة واحدة تحتكر العنف المشروع.

وبهذا المنطق، كان العالم مستقراً نسبياً خلال السلام البريطاني في القرن التاسع عشر، حين أدارت المملكة المتحدة مؤسسات نقدية مثل معيار الذهب، وأبقت طرق التجارة مفتوحة بقواتها البحرية وما إلى ذلك. ومن الواضح أن هذا لا يعني أن تلك الحقبة كانت ممتعة بالضرورة، وخاصة لمن خضعوا للاستعمار البريطاني. بل كانت فقط أكثر تنظيماً من الاحتمالات الأخرى. ثم أفسح هذا النظام المنقوص المجال للفوضى بعد الحرب العالمية الأولى، حين لم تعد بريطانيا قادرة على الهيمنة ولم تكن أميركا راغبة بعد في ممارسة الهيمنة.

لكن بعد الحرب العالمية الثانية، كثفت الولايات المتحدة جهودها وأعادت ترسيخ الاستقرار، على الأقل داخل العالم الرأسمالي. وفي ظل مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتحالفات مثل حلف شمال الأطلسي، أطلق على هذا النظام الذي تقوده الولايات المتحدة وصف «السلام الأميركي»، على غرار مصطلح «السلام الروماني» القديم. بمجرد أن أصبحت «نظرية استقرار الهيمنة» سائدة، أصبح صناع القرار والباحثون الآخرون، وخاصة هنا في مقر الهيمنة، قلقين من أن لحظة أميركا كزعيم للعالم قد انتهت بالفعل. وربما كان ذلك بسبب «التمدد الإمبراطوري المفرط»، أو تقلص حصة أميركا في الاقتصاد العالمي، أو أي شيء آخر.

لكن التقارير عن وفاة القوة المهيمنة كانت مبالغا فيها إلى حد كبير في كثير من الأحيان، حتى أنه يتعين علينا أن نكون حذرين بشأن شطب الولايات المتحدة مبكرا جدا. والهيمنة في إطار العلاقات الدولية لها أيضا منافسة. ويصر الواقعيون التقليديون الذين ينظرون إلى التاريخ الطويل على أنه عادة لا تكون قيادة قوة واحدة هي التي تحافظ على النظام، بل توازن القوى.

وما زال الليبراليون الدوليون يعتقدون أن الدول قادرة على التعاون حتى في غياب قوة مهيمنة. ووجهة نظري هي أن الهيمنة كما تمارسها الولايات المتحدة منذ عام 1945 تفسر بشكل أفضل الاستقرار النسبي «للعالم الحر» في تلك الحقبة التي اشتهرت بزيادة الرخاء والحرية للكثيرين، إن لم يكن للجميع للأسف، وغياب حرب عالمية أخرى، حتى الآن. لكني أدرك تماما الغضب السائد في معظم أنحاء العالم، وخاصة في الجنوب العالمي، الموجه نحو الولايات المتحدة.

وكما هو الحال مع بريطانيا في القرن التاسع عشر، غالبا ما تضع الولايات المتحدة مصلحتها الوطنية قبل مصالح النظام، وهو أمر غير مقبول. في بعض الأحيان، تدافع واشنطن عن السيادة الوطنية لدول أخرى، كما هو الحال في أوكرانيا. وفي أحيان أخرى تتجاهل هذه المسألة، كما حدث في العراق في عام 2003.

ومن المفترض أن تعمل أميركا، باعتبارها القوة المهيمنة، كمقرض الملاذ الأخير لمنع تهافت البنوك العالمية على التهرب من سداد ديونها، لكنها تصدر أحيانا الاضطرابات المالية إلى العالم، كما حدث في عام 2008. لكن هل سيكون العالم في وضع أفضل إذا حل محلها قوة مهيمنة مختلفة؟ ونظرا للمتطلبات الأساسية من القوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والنووية، فلن تكون هذه القوة إلا الصين في المستقبل المنظور. والسؤال الثاني هو هل سيتحسن العالم حقا لو لم تكن هناك أي قوة مهيمنة على الإطلاق؟

وهذا هو البديل الذي يشير إليه شعار التعددية القطبية. وإذا اقتنعت بأن الحالة الافتراضية للنظام الدولي هي الفوضى، فإن الإجابة هي لا. وحتى إذا كنت تؤمن بتوازن القوى باعتباره الخلطة السرية، ضع في اعتبارك أن الحرب في هذا التقليد الواقعي هي ملمح وليس خطأ في النظام.

رئيس تحرير سابق لمجلة هاندلسبلات جلوبال وكاتب في مجلة إيكونوميست.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»